الصحة

التطعيم: منظمة الصحة العالمية تجدد نفي أي علاقة بين اللقاحات والتوحد

في تقييم حديث نُشر بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 2025، شددت منظمة الصحة العالمية على أنه لا يوجد دليل يثبت وجود علاقة سببية بين التطعيم واضطراب طيف التوحد. وجاء هذا التأكيد بعد مراجعة موسعة لعشرات الأبحاث الدولية، في سياق يتسم بتزايد تداول معلومات مضللة في عدد من البلدان.

مراجعة علمية واسعة النطاق
أوضحت المنظمة، عبر تحليلها الجديد، أن المعطيات العلمية المتاحة لا تدعم الفرضية التي تربط اللقاحات بظهور التوحد. ويكرس هذا الاستنتاج موقفًا ثابتًا لدى المؤسسة الدولية، بعد سنوات طويلة من الأبحاث التي دحضت هذه الفكرة داخل الأوساط العلمية.

نتائج لجنة سلامة اللقاحات التابعة للمنظمة
قامت اللجنة الاستشارية العالمية لسلامة اللقاحات (GACVS)، وهي هيئة خبراء مستقلة تعمل تحت مظلة منظمة الصحة العالمية، بمراجعة 31 دراسة دولية منشورة بين 2010 و2025. وشملت هذه المراجعة اللقاحات المعتادة، وكذلك اللقاحات التي تحتوي على الثيميروسال باعتباره مادة حافظة مستخدمة في بعض التركيبات، إضافة إلى المواد المساعدة المصنوعة من الألومنيوم. وخلصت اللجنة إلى نتيجة واحدة: لا توجد مؤشرات علمية تثبت علاقة سببية بين اللقاحات والتوحد، سواء تضمنت هذه المكونات أم لم تتضمنها.

منهجية التقييم ومتانة الأدلة
استندت المراجعة إلى فحوص منهجية دقيقة، شملت تقييم قوة الأدلة ورصد احتمالات التحيز داخل الدراسات. وبحسب ما ورد، فإن غالبية الأبحاث عالية الجودة لم تُظهر أي ارتباط موثوق بين التطعيم وارتفاع معدلات اضطرابات طيف التوحد. أما الدراسات القليلة التي لمّحت إلى صلة محتملة، فقد اعتبرها الخبراء ضعيفة من حيث التصميم والمنهج، بما يحد من قيمتها الاستنتاجية.

سلسلة تأكيدات متكررة منذ 2002
يُعد هذا التحليل الرابع الذي تُنجزه منظمة الصحة العالمية بشأن هذه المسألة بعد مراجعات أعوام 2002 و2004 و2012، والتي انتهت جميعها إلى الخلاصة نفسها: اللقاحات لا تسبب التوحد. ورغم ذلك، تستمر بعض التصورات الخاطئة، خصوصًا في البيئات التي تنتشر فيها الإشاعات والمعلومات غير الدقيقة بسرعة.

التطعيم وتأثيره على صحة الأطفال عالميًا
وخلال المؤتمر الصحفي المرافق لنشر التحليل، أعاد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، التأكيد على دور التطعيم في تحسين مؤشرات الصحة العامة. وأشار إلى أن وفيات الأطفال دون الخامسة تراجعت خلال الخمس والعشرين سنة الماضية بأكثر من النصف، من 11 مليون وفاة إلى نحو 4.8 مليون وفاة سنويًا، مع اعتبار اللقاحات من العوامل الأساسية وراء هذا التحسن الكبير.

ارتباك الرسائل الرسمية في بعض الدول
يأتي نشر هذا التقييم في وقت تشهد فيه الساحة الصحية جدلا متجددا، خصوصًا بعد صدور رسائل وبيانات وُصفت بغير الواضحة أو المتناقضة من بعض الجهات الرسمية، ولا سيما في الولايات المتحدة. ووفق المعطيات الواردة، فقد جرى تعديل بيانات رسمية بطلب من وزير الصحة الأمريكي روبرت ف. كينيدي الابن، ما أثار تساؤلات وشكوكا حول ثبات الإجماع العلمي، وأطلق انتقادات من خبراء أكدوا غياب بيانات موثوقة تسند تلك الادعاءات.

جذور الأسطورة: دراسة 1998 المسحوبة
وتعود واحدة من أبرز شرارات هذا الجدل إلى دراسة نُشرت عام 1998 في مجلة “ذا لانسيت”، زعمت وجود ارتباط بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR) والتوحد. وقد تبين لاحقًا أن الدراسة مزورة وتم سحبها رسميًا، لكن أثرها ظل حاضرًا لدى بعض الفئات، رغم النفي المتكرر من المؤسسات العلمية.

الآثار الجانبية والتفسير العلمي لأسباب التوحد
يشير المختصون إلى أن اللقاحات قد تُحدث آثارًا جانبية، لكنها غالبًا ما تكون خفيفة ومؤقتة، ولا تتضمن—وفق البيانات المتاحة—التوحد ضمن نتائجها. كما يوضحون أن اضطرابات طيف التوحد ترتبط بعوامل متعددة ومعقدة تشمل الجينات، ومسارات النمو العصبي، وعوامل بيئية، دون وجود دليل موثوق يجعل التطعيم سببًا لها.

دعوة لتعزيز التواصل العلمي
ومع استمرار التضليل، تحث منظمة الصحة العالمية الحكومات والأنظمة الصحية على تقوية التواصل العلمي وتدعيم الثقة في برامج التطعيم، باعتبارها عنصرًا محوريًا في الصحة العامة العالمية التي تساهم في إنقاذ ملايين الأرواح.

Karim Boukhris

بوقريس كريم صحفي متخصص في كرة القدم، ويملك خبرة تمتد لسبع سنوات في مجال الصحافة الرياضية المغربية. تعاون مع وسائل إعلام مثل "لو ماتان سبور"، "أطلس فوت" و"راديو ماروك سبور"، وينشر تحليلات تكتيكية وتقارير معمقة حول كرة القدم المغربية، مع تركيز خاص على المنتخبات الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى