الخدمة المدنية: الحكومة تتجه نحو اعتماد نظام جديد لساعات العمل المرنة

أعلنت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بن يحيى، عن مشروع إصلاحي يسعى إلى إدخال ترتيبات عمل أكثر مرونة داخل قطاع الخدمة المدنية، بما يتيح للموظفين التوفيق بين التزاماتهم المهنية واحتياجاتهم الأسرية والشخصية. ويأتي هذا التوجه في سياق نقاش وطني واسع حول توازن الأدوار داخل الأسرة المغربية، وتزايد المطالب الاجتماعية بإقرار بيئة مهنية تراعي التحولات الاجتماعية.
مشروع حكومي لتعزيز التوازن بين الحياة المهنية والأسرية
تعمل الحكومة، من خلال تعاون بين وزارة التضامن ووزارة الوظيفة العمومية، على إعداد إطار تنظيمي جديد يهدف إلى تحديث منظومة العمل الإداري. ويقوم المشروع على منح الموظفين خيارات متعددة لإدارة وقت عملهم، بما يشمل العمل بدوام جزئي بشكل اختياري، أو اعتماد ساعات مرنة تتناسب مع ظروفهم، أو تنظيم أيام عمل تجمع بين الحضور الفعلي والعمل عن بُعد.
ويستهدف هذا التصور جميع العاملين في القطاع العام دون استثناء، رجالًا ونساءً، مع التركيز على خلق بيئة مهنية تستجيب للحاجيات المتزايدة للأسر المغربية، خاصة في ظل استمرار الأعباء المنزلية الثقيلة التي تتحملها النساء مقارنة بالرجال.
خلفية اجتماعية: اختلال في تقاسم الأعباء داخل الأسرة
جاء الإعلان عن هذا المشروع بالتزامن مع تنظيم مؤتمر حول الأبوة الملتزمة في الرباط في 31 أكتوبر 2025، نظمته وزارة التضامن بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة والسفارة السويدية. ويأتي هذا النقاش في سياق مراجعة مرتقبة لقانون الأسرة، وبعد مرور عامين على اعتماد إجازة أبوة مدتها 15 يومًا للموظفين في القطاع العام.
وقد كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن استمرار فجوة زمنية واضحة في تقاسم الأعباء المنزلية، إذ تخصص النساء في المتوسط خمس ساعات يوميًا للأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، مقابل 43 دقيقة فقط للرجال. وتشير هذه المعطيات إلى أن الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة تواجه تحديات مرتبطة بالأعراف الاجتماعية، ما يجعل إصلاح تنظيم الوقت المهني خطوة ضرورية لتمكين الأسر من نمط جديد لتقاسم المسؤوليات.
تفاصيل الخيارات المطروحة داخل الإدارة
يعتمد المشروع الحكومي على ثلاثة حلول رئيسية، تتم دراستها حاليًا لإدراجها في قانون الخدمة المدنية:
أولًا، خيار العمل الاختياري بدوام جزئي، والذي سيتيح للموظف تقليل ساعات عمله اليومية إلى مستوى معين — ثلاث ساعات مثلًا — مع الحصول على أجر يُحتسب وفق الساعات المنجزة. وترى الوزارة أن هذا الإجراء ينسجم مع رغبة فئة من الموظفين الذين يسعون إلى تخفيف الضغط المهني دون مغادرة القطاع العام.
الخيار الثاني يقوم على اعتماد ساعات عمل مرنة، بحيث يمكن للموظف تعديل بداية ونهاية يومه المهني وفق احتياجاته، شرط أن يستوفي مجموع ساعات العمل الأسبوعية. ويُعد هذا الخيار مناسبًا لمن يتحملون مسؤوليات رعاية أفراد الأسرة أو مواجهة ظروف صحية خاصة.
أما الخيار الثالث، فيتمثل في نموذج العمل الهجين، الذي يجمع بين أيام من العمل عن بُعد وأخرى من الحضور في مقر الإدارة. ويستهدف هذا النظام بالأساس الموظفين الذين يعيشون ظروفًا حساسة، مثل رعاية أطفال صغار أو وجود أمراض مزمنة داخل الأسرة، حيث سيتم توزيع الوقت المهني بالتساوي بين المنزل والمكتب.
ومن المنتظر أن يتطلب اعتماد هذه النماذج إجراء تعديلات جوهرية على قانون الوظيفة العمومية لضمان توافقها مع الأطر القانونية الحالية.
نحو توسيع التجربة لتشمل القطاع الخاص
إلى جانب ذلك، تعمل وزارة العمل على دراسة إمكانية إدراج ترتيبات مشابهة ضمن قانون الشغل، ما يعني أن المبادرة قد تمتد لتشمل العاملين في القطاع الخاص أيضًا. وقد شددت الوزيرة نعيمة بن يحيى على أن هذه التدابير لا تستهدف النساء وحدهن، بل تهدف إلى تحسين جودة الحياة المهنية والشخصية لجميع الموظفين. وقالت إن الهدف الأساسي هو إرساء نموذج عمل أكثر إنصافًا واستجابة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية.



