المغرب يواجه ارتفاعًا مقلقًا في درجات الحرارة بحلول 2050

تشهد المملكة المغربية موجة حر شديدة تجاوزت خلالها درجات الحرارة 46 درجة مئوية، في مشهد يندرج ضمن نمط مناخي متصاعد لظواهر حرارية قصوى ناجمة عن التغير المناخي. ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، فإن المغرب يُعد من بين الدول التي تشهد وتيرة احترار أعلى من المعدل العالمي، مع توقعات بزيادة عدد الأيام والليالي الحارة وتعرض أكبر لظواهر “الحرارة الرطبة” الخطرة بحلول منتصف القرن الجاري وما بعده.
حرارة خانقة تجتاح البلاد
تتأثر مختلف مناطق المغرب هذه الأيام برياح الشركي الجافة والحارة، ويتوقع أن تستمر الموجة الحالية حتى يوم الجمعة. ففي جنوب البلاد، لامست درجات الحرارة 46 درجة، في حين بقيت مرتفعة على الساحل عند حدود 33 درجة مئوية في مدن مثل الدار البيضاء والجديدة والصويرة وآسفي.
هذه الموجة ليست حالة معزولة، بل باتت ظاهرة متكررة ومقلقة في المنطقة. وكغيره من بلدان الحوض المتوسطي، يُصنف المغرب حاليًا ضمن النقاط الساخنة على خارطة تغير المناخ، حيث تتسارع وتيرة ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة مقارنة بالمعدل العالمي.
تهديدات مناخية متعددة
تشير البيانات إلى أن ارتفاع الحرارة هو أحد أبرز التحديات المناخية التي تواجه المملكة، إلى جانب تراجع التساقطات، وتزايد الظواهر الجوية العنيفة، وزحف التصحر، وارتفاع منسوب مياه البحر. هذا ما أكده “الملف المناخي للمخاطر” الصادر عن البنك الدولي، والذي يسلط الضوء على الواقع المناخي المتغير في البلاد.
وتُنبئ التوقعات المستقبلية بتضاعف عدد الأيام شديدة الحرارة، مما يُفاقم من المخاطر الصحية، ويزيد من احتمالات اندلاع حرائق الغابات، إلى جانب تداعيات على القطاع الزراعي.
تصاعد في درجات الحرارة الدنيا والقصوى
بحسب سيناريو الانبعاثات المرتفعة (SSP3-7.0)، يتوقع أن ترتفع الحرارة المتوسطة الوطنية من 18.5 درجة مئوية خلال الفترة 1995-2014، إلى 20.2 درجة ما بين 2040 و2059. سيكون هذا الارتفاع أشد خلال فصل الصيف، لاسيما في المناطق الشرقية الداخلية، حيث يُنتظر أن تزداد درجات الحرارة النهارية بنحو 0.43 درجة مئوية كل عقد، بينما سترتفع درجات الليل من 12.8 إلى 14.5 درجة. أما أقصى درجات الحرارة اليومية فقد تصل إلى 26 درجة مئوية في أفق 2050.
من 1971 إلى 2020، شهد المغرب ارتفاعًا في درجة حرارة سطح الهواء بمعدل 0.43 درجة مئوية لكل عقد، فيما زادت درجات الليل بـ0.39 درجة، مقابل 0.52 درجة للنهار. وتم تسجيل أقوى ارتفاعات في درجات الحرارة الدنيا (أكثر من 0.4 درجة/عقد) بمناطق بني ملال-خنيفرة، مراكش-آسفي، درعة-تافيلالت وسوس-ماسة، المحاذية للأطلس الكبير. أما درجات الحرارة القصوى، فقد قفزت بنحو 0.6 درجة/عقد في الشرق وفاس-مكناس وبني ملال-خنيفرة.
تضاعف أيام وليالي الحر
تشير التوقعات إلى أن وتيرة الأيام الحارة ستتضاعف في العقود المقبلة، مع آثار وخيمة على الصحة والزراعة والبنية التحتية. بين 1995 و2014، كان المغرب يسجل نحو شهر من الأيام الحارة سنويًا، بينما قد يصل هذا العدد إلى شهرين سنويًا بين 2040 و2059. وتشهد المناطق الجنوبية، خصوصًا درعة-تافيلالت وسوس-ماسة، زيادات تصل إلى 4.4 يومًا إضافيًا من الحرارة الشديدة كل عقد، ما قد يطيل فترات الحر إلى ثلاثة أشهر سنويًا.
وقد تعرض 38% من السكان في العقود الماضية لحرارة تصنف بأنها خطيرة، وهو رقم قد يقفز إلى 67% بحلول نهاية القرن، بل يتجاوز 90% في جهات مثل فاس-مكناس والشرق.
ليالٍ استوائية تزداد حدة
يتوقع بحلول منتصف القرن أن تتجاوز درجات الحرارة الليلية صيفًا 20 درجة مئوية في أغلب ليالي السنة، مع تسجيل 15 ليلة فوق 23 درجة، و7 فوق 26 درجة، وحتى 3 ليالٍ بدرجات تتعدى 29 درجة مئوية سنويًا. ويُسجل حاليًا ارتفاع بـ4 ليالٍ استوائية كل عقد، مع تسارع أعلى في المناطق الحارة مثل درعة-تافيلالت والشرق (أكثر من 5 ليالٍ/عقد).
بينما لم تتعدَّ نسبة السكان المتأثرين بالليالي الاستوائية سابقًا 2%، قد تصل هذه النسبة إلى 22% بحلول 2075. وفي جهات مثل فاس-مكناس وسوس-ماسة، قد يعاني نصف السكان تقريبًا من هذه الظاهرة المناخية بحلول نهاية القرن.
تهديد “الحرارة الرطبة” يلوح في الأفق
عندما تتلاقى درجات الحرارة المرتفعة مع مستويات عالية من الرطوبة، تصبح قدرة الجسم على التبريد الطبيعي شبه معدومة، ما يجعل موجات الحر أكثر فتكًا. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن المغرب قد يواجه نحو 17 يومًا سنويًا من “الحرارة الرطبة الخطرة” في أفق 2080-2099. في مناطق مثل درعة-تافيلالت وسوس-ماسة، قد تمتد هذه الظاهرة إلى شهر كامل في السنة، بينما ستشهد باقي المناطق على الأقل 3 أيام مماثلة سنويًا.
ابتداءً من عام 2035، ستبدأ آثار هذه الظاهرة في الظهور تدريجيًا، خصوصًا في درعة-تافيلالت، حيث يُتوقع أن يتعرض 10% من السكان لها. وقد تصل النسبة إلى الثلثين في فاس-مكناس، وإلى أكثر من الثلث في معظم مناطق المملكة بحلول 2075.