رقم قياسي جديد لصادرات الطماطم المغربية إلى أيرلندا

سجّل المغرب رقمًا قياسيًا غير مسبوق في صادرات الطماطم نحو السوق الأيرلندية خلال موسم 2024-2025، مستفيدًا من إعادة رسم خريطة سلاسل التوريد في أوروبا بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ومن دينامية قوية في ما يُعرف بالأسواق الثانوية داخل القارة.

طفرة في الأرقام: تضاعف الكميات وارتفاع في القيمة

وفقًا لمعطيات نشرها موقع “EastFruit” المتخصص، صدّر المغرب حوالي 3400 طن من الطماطم إلى أيرلندا بين أكتوبر 2024 وأغسطس 2025، بقيمة تناهز 7,5 ملايين دولار. هذا الحجم يعادل تقريبًا ضعف الكميات المسجلة في الموسم السابق، ويتجاوز السقف التاريخي الذي تم تحقيقه خلال موسم 2020-2021 بنسبة تقدر بنحو 62%.

ورغم أن أيرلندا لا تزال تُصنف ضمن الأسواق الثانوية لصادرات الطماطم المغربية – بحصة تقل عن 1% من إجمالي هذه الصادرات – إلا أن وتيرة نموها السريعة تجعلها اليوم في مرتبة قريبة من بعض الأسواق الاسكندنافية من حيث الدينامية والطلب المتزايد.

بلغت الشحنات ذروتها في يناير 2025، حيث تم توجيه 542 طنًا من الطماطم نحو أيرلندا في ذلك الشهر وحده، وهو ما يتوافق مع فترة الذروة التقليدية للطلب في السوق الأيرلندية خلال فصل الشتاء.

استراتيجية تصدير ناجحة وتحول زراعي اقتصادي

الإنجاز المسجّل في السوق الأيرلندية يندرج في إطار مسار تصاعدي عام عرفته الصادرات الزراعية المغربية خلال العشرين سنة الماضية. فبفضل سياسة تصديرية طموحة وتنويع متدرج في البنيات الإنتاجية، ارتفع حجم صادرات الفواكه والخضروات المغربية بنحو 120% بين 2005 و2023، في حين تضاعفت قيمتها تقريبًا خمس مرات لتبلغ 3,7 مليارات يورو.

وتتربع الطماطم إلى جانب التوت والأفوكادو على رأس قائمة المنتجات التي قادت هذا التحول الزراعي-الاقتصادي؛ إذ يتم تصدير قرابة 600 ألف طن من الطماطم سنويًا، ما يشكل ما يقرب من نصف إجمالي صادرات الخضروات المغربية. وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة، مثلت الطماطم حوالي ثلث شحنات قطاع الفواكه والخضروات إلى الخارج، لترسخ موقعها كمنتج استراتيجي في الميزان التجاري الفلاحي للمملكة.

هذه الديناميكية جعلت المغرب واحدًا من أبرز الفاعلين في تجارة المنتجات الفلاحية على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، مستفيدًا من موقعه الجغرافي وقربه من أوروبا، إلى جانب تطوير سلسلة لوجستية متزايدة الفعالية.

بريكست يعيد تشكيل طرق التجارة… والمغرب يستغل الفرصة

خلف هذا الارتفاع اللافت في صادرات الطماطم المغربية إلى أيرلندا عامل أساسي يرتبط بالتغييرات التي شهدتها تدفقات التجارة الأوروبية بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

فإلى حدود سنة 2021 تقريبًا، كانت نسبة مهمة من الطماطم التي يستهلكها السوق الأيرلندي تمر عبر الأراضي البريطانية، حيث كانت المملكة المتحدة تؤدي دور مركز لإعادة التصدير، ما يعني أن السلع كانت تعبر من دول منشأ مختلفة نحو بريطانيا أولاً، ثم تُعاد توجيهها إلى أيرلندا.

لكن بعد “بريكست”، أصبح هذا المسار أقل جاذبية من حيث الكلفة والوقت، بحكم التعقيدات اللوجستية والإدارية والإجرائية الجديدة، الأمر الذي دفع الفاعلين في السوق الأيرلندية إلى تفضيل التزود المباشر من دول منتجة، دون المرور بالمحطة البريطانية.

في هذا السياق، برز المغرب بسرعة كخيار موثوق وتنافسي، بفضل قدرته على ضمان إمدادات مستقرة وجودة متسقة وأسعار تظل جذابة في السوق الأوروبية. وقد أدى هذا التحول إلى صعود المملكة إلى الرتبة الرابعة ضمن كبار موردي الطماطم إلى أيرلندا، بعد كل من هولندا وألمانيا وإسبانيا.

الأكثر دلالة أن حصة المغرب من السوق الأيرلندية بلغت حوالي 10% خلال الموسم الحالي، وهي نسبة تمنح الصادرات المغربية موطئ قدم متقدّم وتضعها في منافسة مباشرة مع كبار الموردين الأوروبيين التقليديين.

طماطم المغرب… منتج قيادي في الفواكه والخضروات

على المستوى الوطني، تواصل الطماطم ترسيخ مكانتها كأهم منتج في سلة صادرات الفواكه والخضروات المغربية، سواء من حيث الكميات أو العائدات. فخلال السنوات الخمس الماضية، شكّلت وحدها ما يقارب ثلث إجمالي الشحنات، مع حضور قوي في أسواق الاتحاد الأوروبي والأسواق الناشئة على حد سواء.

ويدل الأداء القوي في أيرلندا على قدرة الصادرات المغربية على اقتحام أسواق جديدة والاستفادة من التحولات الجيو-اقتصادية، ليس فقط لتعويض مسارات قديمة، وإنما لبناء شراكات تجارية أكثر مباشرة ومرونة، خاصة في مجال الصناعات الغذائية والزراعية.

إن تسجيل رقم قياسي جديد في سوق محدودة نسبيًا مثل أيرلندا، مع تحقيق نمو قياسي في القيمة والحجم، يُعتبر مؤشرًا واضحًا على أن المملكة تسير بثبات في ترسيخ موقعها كفاعل أساسي في الأمن الغذائي الأوروبي، خصوصًا في المنتجات الطازجة عالية الطلب مثل الطماطم.