أخبار التكنولوجيا

“سرقة أنيقة”: مقالات الذكاء الاصطناعي تغزو الوسط الأدبي

بداية الظاهرة

لم يعد الناقد الأدبي بحاجة إلى ليالٍ طويلة من القراءة والبحث بين المخطوطات. يكفيه اليوم أن يفتح برنامجًا للذكاء الاصطناعي، يكتب بضع كلمات، ثم ينتظر “النص الجاهز” ليظهر خلال ثوانٍ. بعدها يوقّع باسمه أسفل المقال، وكأن التجربة الفكرية والجهد الذهني الذي بُذل كان جهده الشخصي.

هذه الممارسة تمثل شكلًا جديدًا من “السرقة الأنيقة”؛ سرقة لا تحتاج إلى اقتحام أو كسر أقفال، بل تستولي على هوية الكتابة نفسها، وتُربك القارئ في التمييز بين الإبداع البشري والمنتج الآلي.

نصوص بلا روح

النصوص التي تُولد آليًا تبدو أنيقة ومصقولة، لكنها خالية من أثر التجربة الإنسانية. فهي لا تحمل تعب الكاتب ولا بصمته ولا حيرته أمام النصوص المعقدة. وعلى عكس النقد التقليدي الذي يشبه غوص الغواص بحثًا عن لؤلؤة، تأتي هذه النصوص كقوالب جاهزة تُنشر بسرعة، بلا عمق ولا رائحة زيت اللوحة الأصلية.

اللغة الملساء مقابل اللغة المجروحة

حين يكتب ناقد بشري، حتى الأخطاء تصبح جزءًا من نسيج النص ودليلًا على حيوية صاحبه. أما النصوص الآلية فتفتقد إلى الترددات والانفعالات والجرح اللغوي الذي يكشف عن صلة شخصية بالنص. إنها جمل متوازنة وشاعرية، لكنها بلا تفاصيل دقيقة ولا أمثلة ملموسة، وتبدو صالحة لأي عمل أدبي كيفما كان.

التشابه الفاضح

من يقرأ عدة مقالات مولدة بالذكاء الاصطناعي يلاحظ تكرارًا مدهشًا في الأسلوب والعبارات. تتكرر الجمل مثل:

  • “يظل العمل مفتوحًا على تأويلات متعددة تثري النقاش النقدي”.
  • “يمزج النص بين الواقعية والرمزية في مقاربة فنية مبتكرة”.

هذه الصيغ لا تأتي من تجربة قراءة أصيلة، بل من خزان إحصائي يعيد إنتاج الأنماط الأكثر شيوعًا، ما يجعل النصوص أقرب إلى عملات معدنية خرجت من القالب نفسه: متقنة، لكنها بلا حياة.

البعد الأخلاقي والحقوقي

مع صعود هذه الظاهرة، يطرح سؤالان أساسيان:

  1. من المؤلف الحقيقي للنصوص المولدة؟
  2. ومن يملك حقوقها؟

الأمانة الفكرية تقتضي أن يعترف الكاتب باستخدام الأدوات الآلية، وألا ينسب نصًا كاملاً لنفسه. في غياب تشريعات واضحة، تبقى هذه المنطقة رمادية قانونيًا، لكن أخلاقيًا تبقى الهوية الإبداعية مسؤولية أمام القارئ والتاريخ.

أثر الظاهرة على المشهد الأدبي

اليوم، يمكن إنتاج مقالات نقدية في أيام معدودة بفضل الذكاء الاصطناعي، بينما كان الناقد في الماضي يقضي أسابيع من البحث والقراءة. هذه السرعة ولّدت سيلًا من النصوص المتشابهة، ما جعل القارئ يواجه نصوصًا “لامعة” لكنها بلا عمق، وأضعف حضور النقاد ذوي التجربة الطويلة.

في المقابل، ظهر “كتاب جدد” بلا رصيد حقيقي، صعدوا بفضل نصوص مصقولة أنتجتها الخوارزميات. المنابر الإعلامية منحتهم مساحة، في حين تراجع صوت النقاد التقليديين الذين اعتادوا الغوص في طبقات النصوص.

بصمات الأسلوب الآلي

أبحاث أكاديمية رصدت خصائص متكررة تكشف النصوص المولدة، من أبرزها:

  • الإفراط في استخدام تراكيب مثل “لا… بل” أو “ليس فقط… بل أيضًا”.
  • تكرار أدوات الربط مثل “في الحقيقة”، “من جهة أخرى”.
  • اعتماد جمل قصيرة متوازنة الإيقاع، لكنها مكررة.
  • استخدام علامات الترقيم والفواصل بشكل مفرط.

هذه السمات تجعل النصوص الآلية سهلة الاكتشاف، رغم سلاستها الظاهرية.

الخاتمة: أزمة الأصالة

دخول الذكاء الاصطناعي إلى ميدان الأدب يفرض إعادة النظر في مفهوم الأصالة والملكية الإبداعية. فحين يتوارى الكاتب خلف خوارزمية، ويدّعي أن ما أنتجته الآلة هو ثمرة جهده، فإنه يرتكب خيانة أدبية وأخلاقية. الكتابة الحقيقية تحتاج قلبًا نابضًا، لا مجرد خوارزمية بارعة.

Karim Boukhris

بوقريس كريم صحفي متخصص في كرة القدم، ويملك خبرة تمتد لسبع سنوات في مجال الصحافة الرياضية المغربية. تعاون مع وسائل إعلام مثل "لو ماتان سبور"، "أطلس فوت" و"راديو ماروك سبور"، وينشر تحليلات تكتيكية وتقارير معمقة حول كرة القدم المغربية، مع تركيز خاص على المنتخبات الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى