مراهقون يجدون العزاء في “رفاق الذكاء الاصطناعي” وسط عزلة عاطفية متنامية

أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي توفّر محادثات آلية شبيهة بالبشر، ملاذاً لعدد متزايد من المراهقين الباحثين عن الدعم العاطفي والعلاقات الآمنة. وبينما يراها البعض مجرد وسيلة ترفيه، يحذر متخصصون في الصحة النفسية من مخاطر هذا الاستخدام المتنامي، معتبرين أنه يعكس عزلة اجتماعية حقيقية تحتاج إلى معالجة على أرض الواقع.
صداقة بلا صراع.. لكنها ليست حقيقية
في حوار مع الجريدة، صرّح الدكتور هاشم تيال، أخصائي الطب النفسي ورئيس الفيدرالية الوطنية للصحة النفسية، أن توجه المراهقين نحو “رفاق افتراضيين” يشير إلى تغير جذري في كيفية بناء الروابط الاجتماعية.
“في مرحلة المراهقة، من الطبيعي أن يبحث الشاب عن استقلاله وبناء علاقاته الخاصة. لكن الذكاء الاصطناعي لا يواجه، لا يختلف، ولا يعارض. إنه يقدم نوعاً من الرفقة المريحة، لكنها وهمية، لا تختبر المشاعر ولا تُسهم في النضج العاطفي”.
أداة مساعدة أم بديل خطير؟
يرى الدكتور تيال أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي دوراً محدوداً كمجرد دعم مؤقت، خصوصاً في الحالات التي يعاني فيها المراهق من انعدام التواصل مع المحيط، لكنه يُشدّد على أن:
“الذكاء الاصطناعي لا يشعر، لا يفهم، ولا يشارك في العلاقة. هو يحاكي فقط. وهذا يُشكّل خطراً حين يخلط المراهق بين الاستجابة الآلية والعلاقة الإنسانية الحقيقية”.
خطر التعلّق العاطفي والإدمان الصامت
يحذر الأخصائي من تعلّق عاطفي مفرط بهذه الأدوات، حيث يبدأ المراهق بإسقاط مشاعره واحتياجاته على ذكاء اصطناعي يردّ دائمًا بلطف ودون معارضة، ما قد يولد إحساسًا زائفًا بالتفاهم أو حتى الحب.
“لأن العلاقة خالية من أي مقاومة أو توتر، قد تتحوّل إلى عادة يصعب الانفكاك عنها، مما يُضعف قدرته على التواصل الواقعي، ويُفاقم العزلة، رغم المظهر الخارجي من التواصل الرقمي المستمر”.
تأثير طويل الأمد على النمو العاطفي
يرى تيال أن المراهق الذي يكتفي بالعلاقات الافتراضية، يفقد تدريجياً مهارات التفاعل البشري، مثل تقبل الاختلاف، وتحمل الصمت، وفهم لغة الجسد. وكلها عناصر أساسية لبناء شخصية ناضجة ومتزنة.
المنع ليس الحل.. بل الفهم والمرافقة
رغم التحذيرات، لا يرى الدكتور تيال أن منع استخدام هذه التطبيقات هو الحل الأمثل، بل يدعو إلى الحوار:
“إذا كان المراهق يقضي ساعات في محادثة مع ذكاء اصطناعي، فعلينا أن نسأل: ما الذي يفتقده في محيطه؟ مع من يمكنه التحدث بحرية؟”
ويضيف: “الذكاء الاصطناعي لن يعوّض أبداً التفاعل البشري الحقيقي. الحوار الصادق، حتى إن كان غير مثالي، هو ما يصنع الفارق”.
استخدام متزايد وقلق متصاعد
كشف تقرير حديث صادر عن منظمة Common Sense Media أن 72% من المراهقين الأمريكيين (بين 13 و17 عاماً) سبق لهم التفاعل مع “رفيق ذكاء اصطناعي”، وأكثر من نصفهم يفعلون ذلك بشكل منتظم. وتعمل تطبيقات مثل Replika، Character.AI وNomi على تزويد المستخدمين بتجارب حوارية تبدو شخصية، بل وحتى عاطفية.
بينما يرى البعض في هذه الأدوات مجرد وسائل تدريب على التواصل، يعتبرها آخرون تعويضاً عن علاقات غائبة أو دعم نفسي مفقود.
لكن المنظمة تحذر من مخاطر عدة:
الارتباط العاطفي المفرط
الخلط بين التفاعل البشري والآلي
التعرض لمحتويات غير مناسبة
تزايد العزلة والانفصال عن الواقع
وسجلت المنظمة حالات مقلقة، من بينها انتحار مراهق يبلغ من العمر 14 عاماً، قيل إنه طوّر علاقة عاطفية قوية مع تطبيق ذكاء اصطناعي.
وأوصت Common Sense Media بضرورة تقييد أو حظر استخدام هذه التطبيقات من قبل القاصرين، بسبب غياب الرقابة الكافية وخطورة التأثيرات النفسية.