التعاون الجنوبي الجنوبي: جسور المغرب وأذربيجان المتينة في عالم معقد

تُعد العلاقات بين أذربيجان والمغرب نموذجًا يُحتذى به في التعاون الجنوبي-الجنوبي البنّاء، وتجسّد أهمية بناء الجسور بين المناطق المختلفة.
في ظل مشهد جيوسياسي يزداد تعقيدًا، تبرز الشراكة بين أذربيجان والمغرب كدليل على قوة التعاون الاستراتيجي القائم على الاحترام المتبادل، والقيم المشتركة، والالتزام بالتعددية.
حوار سياسي وتعاون جنوبي-جنوبي بنّاء
على مدى العقود الثلاثة الماضية، تطورت العلاقات بين باكو والرباط لتصبح إطارًا ديناميكيًا يشمل الحوار السياسي، والدبلوماسية البرلمانية، والتعليم، والتبادل الثقافي. واليوم، تُعد العلاقات بين أذربيجان والمغرب نموذجًا للتعاون الجنوبي-الجنوبي البنّاء، وتجسّد أهمية بناء الجسور بين مختلف الأقاليم.
فعلى المستوى السياسي، عززت الزيارات الرسمية المتبادلة عزم البلدين على تعميق التعاون الثنائي. فقد زار رئيس مجلس النواب المغربي رشيد الطالبي العلمي باكو عامي 2022 و2023، وشارك في فعاليات من بينها شبكة برلمانات حركة عدم الانحياز، وجلسة تكريمية للزعيم الوطني حيدر علييف. كما زارت رئيسة البرلمان الأذربيجاني صاحبة غفروفا الرباط عام 2023، والتقت بعدد من القيادات السياسية المغربية، ما يعكس الطموح المشترك للارتقاء بالعلاقات إلى مستوى استراتيجي جديد.
الدبلوماسية البرلمانية والتقارب المؤسسي
تؤدي الدبلوماسية البرلمانية دورًا متزايد الأهمية في هذه العلاقة المتطورة. فقد أسهمت مجموعات العمل البرلمانية بين البلدين واللقاءات المؤسسية المتكررة في تعزيز التعاون التشريعي وتبادل السياسات وتنسيق المواقف في المنتديات الدولية.
مؤخرًا، قام وفد برلماني مغربي بزيارة مثمرة إلى باكو، والتقى بأعضاء مجموعة العمل البرلمانية الأذربيجانية-المغربية. وتركزت المناقشات على التعليم، والعلاقات الثقافية، والتعاون البرلماني، حيث أكد الجانبان أهمية مواءمة الجهود الوطنية مع الأهداف العالمية في مجالي محو الأمية والتنمية.
دبلوماسية إعلامية وتجارة متنامية
من الزيارات المهمة أيضًا، زيارة وفد من كبار الصحفيين المغاربة إلى أذربيجان، حيث أجروا لقاءات مع نواب البرلمان الأذربيجاني وزاروا المناطق المحررة، وتناولوا مواضيع السلام الإقليمي والتعايش بين الأديان. وقد عكست هذه الزيارة دور الإعلام في دعم السلم وإعادة الإدماج.
أما على المستوى التجاري، فبالرغم من أن العلاقات الاقتصادية لا تزال محدودة من حيث الحجم، إلا أنها واعدة. فقد عقدت الدورة السابعة للجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والفني في باكو عام 2023، كما زار وزير الخارجية الأذربيجاني الرباط في سياق تعزيز التعاون. وتظهر مشاركة الشركات المغربية في قطاعات السياحة والطاقة في أذربيجان وجود إمكانيات غير مستغلة للتعاون بين الشركات.
روابط ثقافية وإنسانية متينة
تشهد الدبلوماسية الثقافية أيضًا ازدهارًا متزايدًا في العلاقة الثنائية. فقد زارت ليلى علييفا، نائبة رئيس مؤسسة حيدر علييف، المغرب وناقشت قضايا تتعلق برفاهية الأطفال، في حين زارت الأميرة للاحسناء، رئيسة مؤسسة المحافظة على تراث الرباط، العاصمة باكو هذا العام لحضور مهرجان السجاد الدولي كضيفة شرف. كما استضاف متحف السجاد الوطني الأذربيجاني معرضًا لفن السجاد المغربي.
هذه الفعاليات الثقافية تؤكد عمق الروابط الإنسانية، خاصة مع تبادل الوفود التعليمية، وزيارات الجامعات، واستفادة الطلاب المغاربة من منح دراسية حكومية أذربيجانية.
رؤية مشتركة للتعاون الدولي
يشترك البلدان في عضوية منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وهو ما يمنحهم منصة متعددة الأطراف للتنسيق. كما يدعمان نظامًا عالميًا أكثر عدلاً، ويشددان على أهمية الحوار الثقافي والشراكات التنموية.
نحو مستقبل واعد
مع استعداد أذربيجان لاحتضان “المنتدى الحضري العالمي الثالث عشر” في عام 2026، يُتوقع أن يكون المغرب، الرائد في مجال التخطيط الحضري والتنمية المستدامة، شريكًا رئيسيًا في هذا الحدث العالمي.
وتستند العلاقة بين أذربيجان والمغرب إلى الثقة والاحترام والقيم المشتركة. ومن خلال الاستثمار في تبادل الشباب، والتعاون في الطاقة النظيفة، والتحول الرقمي، والربط الإقليمي، يستطيع البلدان تحويل جدول أعمالهما الثنائي إلى منصة أوسع للحوار والازدهار في الفضاء الإفريقي-الأوراسي.
في عالم منقسم، تذكّرنا الصداقة المستمرة بين أذربيجان والمغرب بأن الدبلوماسية القائمة على القيم والمصالح المتبادلة لا تزال قادرة على تحقيق نتائج ملموسة.