المغرب عند منعطف تاريخي: السيادة على الصحراء تتحول إلى واقع دولي جديد

بعد نصف قرن من الكفاح السياسي والدبلوماسي والعسكري، يحتفل المغرب بانتصار تاريخي في مجلس الأمن الدولي، الذي كرس بشكل رسمي سيادة المملكة على صحرائها. لكن هذا الانتصار لا يُختزل في بعده الدبلوماسي فحسب، بل يفتح صفحة جديدة في تاريخ المغرب الحديث، كما جاء في تحليل لجريدة الصباح التي اعتبرت الخطاب الملكي بمثابة إعلان لبداية مرحلة جديدة قائمة على السلام والتنمية والتعاون الإقليمي.
انتصار وطني بعد خمسين عامًا من النضال
خرج ملايين المغاربة إلى الشوارع ليلة الجمعة احتفالًا بهذا الحدث التاريخي، الذي يُعد تتويجًا لخمسة عقود من التضحيات الوطنية والعمل المتواصل في مختلف الجبهات.
ويشير المقال إلى أن هذا القرار يُمثل اعترافًا دوليًا حاسمًا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مما يُنهي أحد أطول النزاعات في القارة الإفريقية.
لكن في المقابل، يرى المراقبون أن ما حدث كان أيضًا هزيمة مدوية لمشروع انفصالي فشل في تحقيق أهدافه منذ سبعينيات القرن الماضي، حين سعت بعض الأطراف الإقليمية إلى تفتيت المغرب وفتح منفذ استراتيجي إلى الأطلسي عبر خلق كيان وهمي.
المبادرة الأطلسية.. رؤية ملكية قلبت الموازين
أكدت الصباح أن إعلان مبادرة الأطلسي من طرف الملك محمد السادس كان نقطة تحول استراتيجية أعادت رسم موازين القوى في المنطقة وكشفت النوايا الحقيقية لمن كانوا يتاجرون بمعاناة اللاجئين في تندوف.
وجاءت الضربة القاضية لهذا المشروع الانفصالي عبر القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن، الذي كرس المقاربة المغربية القائمة على الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية كحل وحيد واقعي وقابل للتنفيذ.
خطاب ملكي يرسم مستقبل المغرب
في خطابه التاريخي، قال الملك محمد السادس:
“هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025 وما بعده.”
وهو تصريح يعكس وعيًا ملكيًا بأن هذه المرحلة ليست نهاية الطريق، بل بداية مسار جديد من البناء الوطني.
وأشار الخطاب إلى ثلاث أولويات رئيسية ستوجه السياسة المغربية في المرحلة المقبلة:
1. تحديث مشروع الحكم الذاتي
يستعد المغرب لتقديم نسخة محدثة من مخطط الحكم الذاتي لعام 2007، تتضمن تعزيز المشاركة المحلية، وتوسيع اللامركزية، وتطوير الحوكمة الإقليمية في الأقاليم الجنوبية.
2. نداء إلى المغاربة في تندوف
وجه الملك نداءً مؤثرًا إلى المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف، داعيًا إياهم إلى العودة إلى الوطن والمشاركة في بناء مغرب موحد، مؤكدًا أن هذا النداء ليس رمزيًا، بل التزام ملكي بعودة كريمة وآمنة لكل من يرغب في الاندماج ضمن مشروع وطني جامع.
3. انفتاح إقليمي ودعوة إلى الحوار
أكد الملك مجددًا استعداد المغرب لبناء حوار صادق مع الجزائر وإحياء اتحاد المغرب العربي، داعيًا إلى تجاوز الخلافات السياسية من أجل منطقة مغاربية موحدة تقوم على التنمية والاستقرار والتعاون الاقتصادي.
ولادة إنسانية مغربية جديدة
ترى الصباح أن هذا الانتصار لم يكن مجرد حدث سياسي، بل ولادة لإنسانية مغربية جديدة ترتكز على قيم المصالحة والكرامة والوحدة. فالمغرب، كما جاء في المقال، لا يسعى للانتقام بل إلى السلام، ويُقدم من خلال هذا الانتصار نموذجًا في الحكمة السياسية والرؤية المتبصرة لقيادته.



